ما قدر الله حق قدره من كذب بالقيامة
قال رحمه الله: "وكذلك لم يقدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى، ولا يبعث من في القبور، ولا يجمع خلقه ليوم يجازي فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ويأخذ للمظلوم فيه حقه من ظالمه، ويكرم المتحملين للمشاق في هذه الدار من أجله وفي مرضاته بأفضل كرامته، ويبين لخلقه الذي يختلفون فيه، ويعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين" قال تعالى: ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ))[النحل:38] انظر كيف ظن الكفار بالله، ظن السوء، .. ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ))[النحل:38-39] هذه حكمة عظيمة جداً، والأخرى: ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ))[النحل:39].
فالحكمة الأولى: ليبين لهم الذي يختلفون فيه؛ مسلمين كانوا أو كفاراً؛ فالدماء تسفك يومياً على هذه الأرض منذ أن جعل الله تبارك وتعالى الحق والباطل؛ فمنذ أن خلق الله السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، وجعل جيشاً للإيمان وجيشاً للكفر.. جيشاً للتوحيد وجيشاً للشرك.. جبهةً لأهل الطاعات وجبهة لأهل المعاصي، والمعارك قائمة في كل مكان، وفي كل مجتمع، والدماء تراق وتهدر.
خلاف كبير جداً، ألا يبين ربنا سبحانه وتعالى الحق في هذا الخلاف؟! سبحان الله! إن عدم تمييز الحق من الباطل لا يليق بالله تعالى!
هناك ناس يقولون: إن المسيح هو الله كل يوم، بألف ومائتي لغة ترجم إليها الإنجيل، وفي محطات إذاعية تقارب الألف محطة بجميع اللغات في العالم؛ كلها تقول: الرب (يسوع) الإله المخلِّص.. ويأتي اليهود فيقولون: هذا ابن زنا..! حاشا لله أن يكون عبده ونبيه وكلمته كذلك.
فهؤلاء غلوا فيه فكفروا، وهؤلاء تنقصوه فكفروا، والمؤمنون يقولون في عيسى عليه السلام: هو عبد الله ورسوله، وهذا خلاف كبير بين هذه الأديان الثلاثة في العالم، خلاف كبير جداً الآن، فمن يبين لكل منهم إذا لم يكن هناك يوم قيامة؟ لو مات اليهود وهم يعتقدون أنهم على الحق، والنصارى وهم يعتقدون أنهم على الحق، والمسلمون يظلون على اعتقادهم الحق؟ والأجيال تمر وكل واحد يظن أنه على الحق لكان ذلك منافياً للحق والعدل والحكمة الإلهية، لكن يأتي يوم القيامة ليبين لهم الذي يختلفون فيه، قال تعالى: ((إِذْ قَال الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ))[المائدة:116] هنا يظهر، عيسى نفسه عليه السلام، ويخاطبه ربه جل وعلا: أأنت قلت ما يقوله النصارى عنك؟! وهنا تبطل كل وسائل وإذاعات الإنجيل والتبشير، كل ما يقولونه ويزعمونه ويسمعون الجواب من عيسى نفسه، وعندئذٍ يعلمون أنهم على باطل، والمسلمون -والحمد لله- يعلمون أنهم على الحق، واليهود يعلمون أنهم كاذبون: ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ))[النحل:39] وقس على ذلك.
إذاً: فمهما حلف الكفار : ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ))[النحل:38-39].
يأتي المشرك بالعظم فيفته : ((قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ))[يس:78] ويجيبه الله سبحانه وتعالى : ((قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ))[يس:79] لكن لو لم يكن ثمة بعث؛ فلن يعرف من هو الكاذب ومن هو الصادق، وسوف تختل الأمور والموازين، فمن أحسن ظنه بالله، وقدر الله تعالى حق قدره آمن بالقيامة وبالبعث والنشور، أما من كان غير ذلك فإنه هو الذي يكفر بالقيامة وبالبعث وبالحياة بعد الموت.